كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فقال في ذلك حسان بن ثابت:
سائل بني الأصغر إنْ جئتهم ** ما كان أنباءُ أبي واسع

لا وسّع الله له قبره ** بل ضيّق الله على القاطع

رمى رسول الله من بينهم ** دون قريش رمية القاذع

واستوجب الدعوة منه بما ** بُيّن للنّاظر والسامع

فسلّط الله به كلبه ** يمشي الهوينا مشية الخادع

حتى أتاه وسط أصحابه ** وفد عليهم سمة الهاجع

فالتقم الرأس بيافوخه ** والنحر منه قفرة الجائع

ثم علا بعدُ بأسنانه ** منعفرًا وسط دم ناقع

قد كان هذا لكمُ عبرة ** للسيّد المتبوع والتابع

من يرجعِ العامَ إلى أهله ** فما أكيل السبع بالراجع

{مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ} محمد {وَمَا غوى} وهذا جواب القسم.
{وَمَا يَنطِقُ عَنِ الهوى} أي بالهوى يعاقب بين عن وبين الباء، فيقيم أحدهما مكان الآخر.
{إِنْ هُوَ} ما ينطقه في الديّن {إِلاَّ وَحْيٌ يوحى} إليه.
{عَلَّمَهُ شَدِيدُ القوى} وهو جبريل.
{ذُو مِرَّةٍ} قوة وشدّة، ورجل ممرّ أي قوي، قال الشاعر:
ترى الرجل النحيف فتزدريه ** وفي أثوابه رجل مرير

وأصله من أمررت الحبل إذا أحكمت فتله، ومنه قول النبىّ صلى الله عليه وسلم «لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مِرّة سويّ».
قال الكلبي: وكانت شدّته أنّه اقتلع قريات قوم لوط من الماء الأسود، وحملها على جناحه ورفعها إلى السماء ثم قلبها، وكانت شدّته أيضًا أنّه أبصر إبليس وهو يكلّم عيسى على بعض عقاب الأرض المقدّسة فنفحه بجناحه نفحة ألقاه في أقصى جبل بالهند، وكانت شدّته أيضًا صيحته بثمود فأصبحوا جاثمين خامدين، وكانت شدّته أيضًا هبوطه من السماء على الأنبياء وصعوده إليها في أسرع من الطرف، وقال قطرب: يقول العرب لكل حرك الرأي حصف العقل: ذو مرة، قال الشاعر:
قد كنت قبل لقائكم ذا مِرّة ** عندي لكل مخاصم ميزانه

وكان من جزالة رأيه وحصافة عقله أن الله تعالى ائتمنه على تبليغ وحيه إلى جميع رسله.
وقال ابن عباس: ذو مِرّة، أي ذو منظر حسن، وقال قتادة: ذو خَلق طويل حسن.
{فاستوى} يعني جبريل {وَهُوَ} يعني محمدًا صلى الله عليه وسلم وأكثر كلام العرب إذا أرادوا العطف في مثل هذا الموضع أن يظهروا كناية المعطوف عليه فيقولون: استوى هو وفلان، ما يقولون: استوى وفلان، وأنشد الفرّاء:
ألم تر أنّ النبع يصلب عوده ** ولا يستوي والخروع المتقصف

والمعنى: لا يستوي هو والخروع.
ونظير هذه الآية قوله سبحانه: {أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا وَآبَآؤُنَآ} [النمل: 67] فعطف بالآباء على الكنى في {كُنَّا} من غير إظهار نحن، ومعنى الآية: استوى جبريل ومحمد ليلة المعراج {بالأفق الأعلى} وهو أقصى الدنيا عند مطلع الشمس في السماء، وقيل: استويا في القوة والصعود إلى السماء، وقيل: استويا في العلم بالوحي، وقال بعضهم: معنى الآية: استوى جبريل أي ارتفع وعلا في السماء بعد أن علّم محمدًا، عن سعيد بن المسيب، وقيل: فاستوى أي قام في صورته التي خلقه الله سبحانه عليها، وذلك أنه كان يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورة الآدميين كما كان يأتي النبيين، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريه نفسه على صورته التي يُجبِلَ عليها، وأراه نفسه مرّتين: مرة في الأرض، ومرّة في السماء فأمّا في الأرض ففي الأُفق الأعلى، وذلك أن محمدًا صلى الله عليه وسلم كان بحراء فطلع له جبريل من المشرق فسدّ الأفق إلى المغرب، فخرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مغشيًا عليه، ونزل جبريل في صورة الآدميين وضمّه إلى نفسه، وجعل يمسح الغبار عن وجهه.
يدل عليه قوله سبحانه: {وَلَقَدْ رَآهُ بالأفق المبين} [التكوير: 23]، وأما في السماء فعند سدرة المنتهى، ولم يره أحد من الأنبياء على تلك الصورة إلاّ محمد المصطفى صلوات الله عليه.
{ثُمَّ دَنَا فتدلى} اختلف العلماء في معنى هذه الآية فقال بعضهم: معناها ثم دنا جبرئيل بعد استوائه بالأفق الأعلى من الأرض، فتدلّى فنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم بالوحي وهوى عليه {فَكَانَ} منه {قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أدنى} أي: بل أدنى، وبه قال ابن عباس والحسن وقتادة والربيع.
قال أهل المعاني: في الكلام تقديم وتأخير، تقديره: ثم تدلّى فدنا؛ لأن التدلّي: الدنوّ، ولكنه سامع حسن؛ لأن التدلّي يدل على الدنوّ، والدنو يدل على التدلّي، وإنمّا تدلى للدنوّ ودنا للتدلّي، وقال آخرون: معناه ثم دنا الرب سبحانه من محمد صلى الله عليه وسلم فتدلّى فقرب منه حتى كان قاب قوسين أو أدنى، وأصل التدلىّ: النزول إلى الشيء حتى يقرب منه، فوضع موضع القرب، قال لبيد:
فتدلّيت عليه قافلا ** وعلى الأرض غيابات الطفل

وهذا معنى قول أنس ورواية أبي سلمة عن ابن عباس.
وأخبرني عقيل بن محمد أنّ أبا الفرج البغدادي، أخبرهم عن محمد بن جرير قال: حدّثنا الربيع قال: حدّثنا ابن وهب عن سليمان بن بلال عن شريك بن أبي نمر قال: سمعت أنس بن مالك يحدّثنا عن ليلة المسرى أنّه عرج جبريل برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السماء السابعة، ثم علا به بما لا يعلمه إلاّ الله (عز وجل) حتى جاء سدرة المنتهى، ودنا الجبار ربّ العزة فتدلّى، حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى، فأوحى إليه ما شاء، ودنوّ الله من العبد ودنوّ العبد منه بالرتبة والمكانة والمنزلة وإجابة الدعوة وإعطاء المنية، لا بالمكان والمسافة والنقلة، كقوله سبحانه: {فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الداع إِذَا دَعَانِ} [البقرة: 186].
وقال بعضهم: معناه: ثم دنا جبريل من ربّه عزّوجل فكان منه قاب قوسين أو أدنى، وهذا قول مجاهد، يدلّ عليه ما روي في الحديث: «إنه أقرب الملائكة من جبرائيل الى الله سبحانه».
وقال الضحاك: ثم دنا محمد من ربّه عز وجل فتدلّى فأهوى للسجود، فكان منه قاب قوسين أو أدنى، وقيل: ثم دنا محمد من ساق العرش فتدلّى، أي: جاور الحجب والسرادقات، لا نقلة مكان، وهو قائم بإذن الله كالمتعلق بالشيء لا يثبت قدمه على مكان، وهذا معنى قول الحسين بن الفضل.
ومعنى قوله: {قَابَ قَوْسَيْنِ} قدر قوسين عربيتين عن ابن عباس وعطاء، والقاب والقيب والقاد والقيد عبارة عن مقدار الشيء، ونظيره من الكلام زير وزار. قال صلى الله عليه وسلم «لقاب قوس أحدكم من الجنة خير من الدينا وما فيها».
وقال مجاهد: معناه حيث الوتر من القوس، وقال سعيد بن المسيب: القاب صدر القوس العربية حيث يشدّ عليه السير الذي يتنكّبه صاحبه، ولكل قوس قاب واحد، فأخبر أنّ قرب جبرئيل من محمد صلى الله عليه وسلم عند الوحي كقرب قاب قوسين.
وقال أهل المعاني: هذا إشارة إلى تأكيد المحبة والقربة ورفع المنزلة والرتبة، وأصله أنّ الحليفَين والمحبَّين في الجاهلية كانا إذا أرادا عقد الصفاء والعهد والوفاء خرجا بقوسيهما والصفا بينهما يريدان بذلك أنّهما متظاهران متحاميان يحامي كل واحد منهما عن صاحبه.
وقيل: هذا تمثيل في تقريب الشيء من الشيء، وهو مستعمل في أمثال العرب وأشعارهم، وقال سفيان بن سلمة وسعيد بن جبير وعطاء وابن إسحاق الهمداني: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ} قدر ذراعين، والقوس: الذراع يقاس بها كل شيء، وهي لغة بعض أهل الحجاز.
{أَوْ أدنى} بل أقرب.
وقال بعض: إنّما قال: {أَوْ أدنى}؛ لأنه لم يردْ أن يجعل لذلك حدًّا محصورًا.
وسئل أبو العباس بن عطاء عن هذه الآية فقال: كيف أصف لكم مقامًا انقطع عنه جبريل وميكائيل وإسرافيل، ولم يكن إلاّ محمد وربّه؟ وقال الكسائي: {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ} أراد قوسًا واحدًا كقول الشاعر:
ومَهْمَهَيْنِ قَذَقَيْنِ مَرْتَيْنْ ** قطعته بالسّمْتِ لا بالسّمْتَيْنْ

أراد مهمهًا واحدًا.
وقال بعض أهل المعاني: معنى قوله: {فتدلّى} فتدلّل من الدلال كقولهم: (تظني بمعنى تظنن) وأملى وأملل بمعنى واحد.
{فأوحى} يعني فأوحى الله سبحانه وتعالى {إلى عَبْدِهِ مَآ أوحى} محمد صلى الله عليه وسلم {مَآ أوحى} قال الحسن والربيع وابن زيد: معناه فأوحى جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أوحى إليه ربّه، قال سعيد: أوحى إليه {أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا} [الضحى: 6] إلى قوله: {وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ} [الشرح: 4]، وقيل: أوحى إليه أن الجنة محرّمة على الأنبياء حتى تدخلها، وعلى الأُمم حتى تدخلها أُمّتك، وسئل أبو الحسن الثوري عنه فقال: أوحى إليه سرًّا بسرّ من سرّ في سرّ وفي ذلك يقول القائل:
بين المحبين سر ليس يفشيه ** قول ولا قلم للخلق يحكيه

سرُّ يمازجه أنس يقابله ** نور تحيّر في بحر من التِّيه

{مَا كَذَبَ الفؤاد مَا رأى} قرأ الحسن وأبو جعفر والحجدري وقتادة {كذّب} بتشديد الذال، أي: ما كذّب قلب محمد ما رآى بعينه تلك الليلة، بل صدّقه وحقّقه، وقرأ الباقون بالتخفيف، أي ما كذب فؤاد محمد محمدًا الذي رآى بل صدّقه، ومجاز الآية: ما كذب الفؤاد فيما رأى، فأسقط الصفة، كقول الشاعر:
لو كنت صادقة الذي حدثتني ** لنجوت منجى الحارث بن هشام

أي: في التي حدّثتني، وقال بندار بن الحسن: الفؤاد وعاء القلب فيما ارتاب الفؤاد فيما أرى الأصل وهو القلب.
واختلفوا في الذي رآه. فقال قوم: رأى جبريل، وإليه ذهب ابن مسعود، وقال آخرون: هو الله سبحانه، ثم اختلفوا في معنى الرؤية، فقال بعضهم: جعل بصرهُ في فؤاده، فرآه في فؤاده ولم يره بعينه، وقال قوم: بل رآه بعينه.
ذكر من قال: إنّه رآه بعينه أخبرني الحسن بن الحسين قال: حدّثنا الفضل بن الفضل، قال: حدّثنا أبو يعلى محمد بن زهير الإبلي، قال: حدّثنا بن نحويه، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا عبدالرزاق، قال: حدّثنا ابن التيمي عن المبرك بن فضالة، قال: كان الحسن يحلف بالله عز وجل لقد رأى محمد ربّه.
وانبأني عقيل بن محمد قال: أخبرنا المعافي بن زكريا قال: حدّثنا محمد بن جرير قال: حدّثنا ابن حميد قال: حدّثنا مهران عن سفيان عن أبي إسحاق عمّن سمع ابن عباس يقول: {مَا كَذَبَ الفؤاد مَا رأى} قال: رأى محمد ربّه.
وبإسناده عن ابن حميد قال: حدّثنا يحيى بن واضح قال: حدّثنا عيسى بن عبيد سمعت عكرمة وقد سئل: هل رأى محمد ربّه؟ فقال: نعم، قد رأى ربّه.
وبه عن ابن حميد قال: حدّثنا حكام عن أبي جعفر عن الربيع {مَا كَذَبَ الفؤاد مَا رأى} قال: رأى ربّه عز وجل.
ذكر من قال: لم يره.
أخبرنا أبو عبيد الله الحسين بن محمد الحافظ بقراءتي عليه في داري قال: حدّثنا موسى ابن محمد بن علي، قال: حدّثنا إبراهيم بن زهير، قال: حدّثنا مكي بن إبراهيم، قال: حدّثنا موسى بن عبيده عن محمد بن كعب قال: قال بعض أصحاب رسول الله: يا رسول الله، أرأيت ربّك؟ قال: «رأيته مرّتين، بفؤادي ولم أره بعيني» ثم تلا هذه الآية {مَا كَذَبَ الفؤاد مَا رأى} ومثله روي عن ابن الحنفية عن أبيه، وأبو العالية عن ابن عباس.
وأخبرني الحسن، قال: حدّثنا أبو القاسم عن بن محمد بن عبد الله بن حاتم الترمذي، قال: حدّثنا جدي لأمي محمد بن عبد الله بن مرزوق، قال: حدّثنا عفان بن مسلم قال: حدّثنا همان بن عبد الله بن شفيق قال: قلت لأبي ذر: لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته، قال: وعما كنت تسأله؟ قلت: كنت أسأله: هل رأى ربّه عز وجل؟ قال: فإني قد سألته فقال: «قد رأيت نورًا، أنى أراه؟».
وكذلك روي عن أبي سعيد الخدري أنّه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم {مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى} قال: «رأيت نورًا»، ومثله روى مجاهد وعكرمة عن ابن عباس.
وقد ورد في هذا الباب حديث جامع وهو ما أخبرني الحسين بن الحسن، قال: حدّثنا ابن حبش، قال: أخبرنا علي بن زنجويه، قال: حدّثنا سلمة بن عبدالرزاق، قال: أخبرنا ابن عيينة عن مجالد عن سعيد عن الشعبي عن عبد الله بن الحرث قال: اجتمع ابن عباس وكعب فقال ابن عباس: أمّا نحن بنو هاشم فنقول: إنّ محمدًا رأى ربّه مرتين، وقال ابن عباس يحبّون أن تكون الخِلّة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد. قال: فكبّر كعب حتى جاوبته الجبال، ثم قال: إن الله سبحانه قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى عليه السلام، فكلّمه موسى ورآه محمد.
قال مجالد: وقال الشعبي: فأخبرني مسروق أنّه قال لعائشة رضي الله عنها: يا أمتاه، هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربّه تعالى قط؟، قالت: إنك لتقول قولا، إنّه ليقف منه شعري، قال: قلت: رويدًا فقرأت عليها: {والنجم إِذَا هوى} حتى {قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أدنى}. فقالت: رويدًا، أين يُذهب بك؟ إنّما رأى جبريل في صورته. من حدّثك أن محمدًا رأى ربّه فقد كذب، والله عز وجل يقول: {لاَّ تُدْرِكُهُ الأبصار} [الأنعام: 103]، ومن حدّثك أنّه يعلم الخمس من الغيب فقد كذب، والله سبحانه يقول: {إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة} [لقمان: 34] الآية، ومن حدّثك أنّ محمدًا كتم شيئًا من الوحي فقد كذب، والله عز وجلّ يقول: {بَلِّغْ مَآ أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ} [المائدة: 67] الآية.
قال عبدالرزاق: فذكرت هذا الحديث لعمر، فقال: ما عائشة عندنا بأعلم من ابن عباس.
{أَفَتُمَارُونَهُ على مَا يرى} أي: رأى.
قرأ علي وابن مسعود وابن عباس وعائشة ومسروق والنخعي وحمزة والكسائي وخلف ويعقوب {أَفَتُمَارُونَهُ} بفتح الباء من غير ألف على معنى أفتجحدونه، واختاره أبو عبيد، قال: لأنهم لم يماروه وإنّما يجحدونه، يقول العرب: مريت الرجل حقّه إذا جحدته. قال الشاعر:
لئن هجرتَ أخا صدق ومكرمة ** لقد مريتَ أخًا ما كان يمريكا

أي جحدته.
وقرأ سعيد بن جبير وطلحة بن مسرف {أَفَتُمَارُونَهُ} بضم التاء بلا ألف، أي تريبونه وتشككونه، وقرأ الباقون {أَفَتُمَارُونَهُ} بالألف وضم التاء على معنى أفتجادلونه، وهو اختيار أبي حاتم، وفي الحديث «لا تماروا في القرآن فإن المراء فيه كفر».
{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أخرى} مرة أخرى، فسمّاها نزلة على الاستعارة، وذلك أنّ جبريل رآه النبيّ صلى الله عليه وسلم ُعلى صورته التي خلق عليها مرتين: مرة بالأُفق الأعلى في الأرض، ومرة عند سدرة المنتهى في السماء، وهذا قول عائشة وأكثر العلماء وهو الاختيار، لأنه قرن الرؤية بالمكان فقال: {عِندَ سِدْرَةِ المنتهى}، ولأنه قال: {نَزْلَةً أخرى} وتقديرها: ولقد رآه نازلا نزلة أُخرى، ووصف الله سبحانه بالمكان والنزول الذي هو الانتقال محال؛ ولأنه قال: {نَزْلَةً أخرى} ولم يروَ في الحديث أنّه صلى الله عليه وسلم رأى ربّه عزّوجل قبل ليلة المعراج فيراه تلك الليلة مرة أُخرى، يدل عليها ما أخبرني عقيل بن محمد أنّ أبا الفرج أخبرهم عن محمد بن جرير عن محمد بن المثنى قال: حدّثنا عبدالوهاب الثقفي. قال: حدّثنا داود بن عامر عن مسروق أن عائشة رضي الله عنها قالت: من زعم أنّ محمدًا رآى ربّه فقد أعظم الفرية على الله.